0










بقلم/ ​محمد عايش​

الخارطة التي تأسس عليها اليمن المعاصر هي هذه الممتدة من مشارف جيزان إلى جزيرة كمران.
صبيحة عيد الفطر المنصرم كان صالح الصماد في زيارة للحدود على مشارف جيزان، وأمس الأول كان في زيارة لكمران.

باستثناء جزيرتين: إحداهما وسط مدينة تعز والثانية وسط محافظة مأرب، وباستثناء شريط على ساحل المخاء، تكون الخارطة التي تشكل فيها، وقام عليها،"اليمن" الحديث، سليمةً بعد سنتين وثلاثة أشهر من محاولات الاجتياح والتفتيت، السعودية الخليجية.
هل هذه هي الرسالة التي أراد الصماد أن يبعث بها إلى الجميع؟!
إن كانت فقد نجحت. وإن لم تكن فقد تحققت. ولا أحسبه إلا قصدها.
....................
حين خاض اليمنيون، مطلع عشرينيات القرن الماضي، معركتهم لتأسيس دولتهم المستقلة، عبر طرد العثمانيين ومواجهة الأطماع السعودية؛ كان الجنوب حينها يرزح تحت الاحتلال البريطاني، كما يرزح اليوم تحت الاحتلال السعودي الإماراتي.
لكن الوقت لم يطل حتى تحققت إرادة الحركة الوطنية في الشطرين: ثلاثة وعشرون عاما فقط على رحيل الاستعمار، حتى توحد الشمال والجنوب.

لا داعي للقلق، لن يرحل السعودي والإماراتي حتى يبدأ اليمنيون، اليمنيون، بالبحث عن لم الصف.
الهوية اليمنية، أياً كان الشطط في التنكر لها الآن؛ هي الضامن الرئيس والنهائي للملمة ما تبعثر ولو بعد حين.

الهوية اليمنية هي التي وقفت في وجه أطماع المملكة "السعودية" عند تأسيس الأخيرة، ولولا هذه الهوية التي حشدت اليمنيين خلف مشروع واحد لكان اليمن انتهى ولكان ما نعيش فيه الآن جزء من المملكة العربية السعودية ( يقول التاريخ إن البريطانيين كانوا ينتظرون، في صراعهم مع الشمال،  ما كانوا يعتقدونه مصيرًا محتوما: اجتياح الملك عبد العزيز لأراضي الشمال وضمها لمملكته، غير أن "الهوية" اليمنية الضاربة في التاريخ صنعت هي القدر في النهاية ووضعت حدا لتمدد مملكة ابن سعود، ونجت بنفسها وأسست دولتها في أسوأ ظرف وأسوأ أوضاع كانت تعيشها البلاد).
................. 

الأهم في مرحلة كهذه إذاً، وفِي ظل إغلاق باب التسوية السياسية، هو الحفاظ على قلب اليمن؛ قلب خارطٓتٓيْها الجغرافية والسكانية، والممتدة من صعدة إلى تعز.

كلما تماسكت هذه الخارطة، هذا القلب، هذا المركز؛ كلما تماسك اليمن، والعكس بالعكس، وبغض النظر عن الهوية السياسية للمسيطر على الحكومة المركزية في صنعاء أو مساحة الانقسام السياسي حوله.

الجزر التي تشكلت داخل هذه الخارطة، خلال العدوان السعودي، مستظلة بمظلته، قصتها إن تماسكت الخارطة مابين حدود جيزان وجزيرة كمران؛ لن تكون إلا كقصة الجزيرة الإدريسية التي كانت قائمة في تهامة قبل أن تطمرها إرادة توحيد اليمن وتأسيس دولته الواحدة.

................
صالح الصماد رئيس مقاتل ومشهد زيارتيه للحدود البرية ثم البحرية مشهد تاريخي فاصل في خضم هذه الحرب. ومعظم الأحداث "التاريخية" لا تُدرك تأريخيتها إلا بعد مضي وقتٍ عليها.

لازال اليمنيون يسيطرون على بلدهم وعلى شريطهم الحدودي معكم، ولهم في مياههم الإقليمية الكلمة العليا حتى مع احتلالكم بعض الجزر.

هذا أحد جانبي فحوى الرسالة، فيما الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية هو هذا المتعلق بتأكيد سقوط "الشرعية" التي يُقتل اليمنيون بسببها طوال هذه المدة:
الرئيس "الشرعي" الذي لا يستطيع العودة إلى عدن "المحررة" من قبل حلفائه..
الرئيس "الشرعي" الذي يضطر 11 بنكا ومصرفا في عاصمته "المؤقتة" إلى الإغلاق  بسبب فوضى انعدام السيطرة..
يصبح أكثر بؤساً وبواراً أمام رئيس "شعبي"  يتنقل بين جيزان وكمران،  بأريحية رئيس منتخب وفي وضع سلمي لا تحت سماءٍ من الطائرات الحربية وفِي غمار بحرٍ من القوات البحرية.. المعادية.

كل أداءٍ مسؤولٍ في صنعاء، خصوصا الأداءات التي تتعلق بالسيادة؛ كهذه الأنشطة للصماد، هو مسمارٌ صلب آخر في نعش "شرعية" ماتت أمام العالم.. وشبعت موتا.
ولكن الأهم أنه وتد آخر لحماية السقف اليمني الذي يريدون له الانهيار.. فيعجزون.

إرسال تعليق

 
Top