التقرير حذر من مخطط المؤامرات الدولية على اليمن، ومنها تفتيتها إلى دويلات وتكوين جيوش ميليشاوية، و ………


شبكة المدى/ متابعات منى صفوان:

تقرير صادم لمجلس خبراء مجلس الأمن الدولي عن اليمن، جملته الأولى تقول "اليمن كدولة يكاد يكون قد ولى من الوجود" وبطبيعة الحال يحمل التقرير  كل اطراف الصراع المحلية والاقليمية مسؤولية الفشل السياسي، والعسكري، حيث يقول انه لاتوجد قوة يمكنها حسم الصراع او اعادة توحيد اليمن.

خارطة اليمن العسكرية - المليشياوية
إننا أمام خريطة تقول بتفتت الدولة اليمنية إلى دويلات ومليشيات، منها ما هو معروف وتجري محاربته كدويلة  مليشيا الحوثيين في الشمال، ومنها ما يتم دعمه من بعض القوى الاقليمية كدولة الجنوبين في عدن عاصمة اليمن المؤقتة وعاصمة الجنوب ، وعدن كانت تاريخيا هي حاضرة الجنوب وبعد الوحدة اصبحت عاصمته الاقتصادية،  وهناك دولة جنوبية اخرى في حضرموت ذات الاهمية الاقتصادية ايضا.
تكوين دويلات وجيوش الجماعات التالية
 وهناك دويلات ما هو مسكوت عنه كدويلة الجماعات السلفية والإخوانية المتطرفة في مدينة  تعز غرب اليمن، وهو امر مؤلم ومزعج لان تعز كانت خلال تاريخ اليمن المعاصر متمسكها بمدنيتها مؤمنة بالدولة المدنية والديمقراطية ، وكانت هي مشعل ثورات التحرر في ستنينيات القرن الماضي وكانت تسبق المدن اليمنية بخطوة بتعليمها وثقفاتها، لكن الحرب ارغمتها على حمل السلام وتكوين الجماعات المسلحة “وبعضها متطرفة” والتي تتصارع الان فيما بينهما في داخل تعز  برغم حصار المدينة من قبل الحوثيين .

الدولة المأربية
 اما في الشرق هناك دويلة “مأرب” التي تحظى  بالموافقة السعودية والاعتراف الحكومي بها. ومارب لها رمزية  في التاريخ اليمني لانها عاصمة دولة سبأ  صاحبة الحضارة والارث التاريخي المشهود، وحاليا هي عاصمة اقليم سبأ، حيث عرش ومعبد بلقيس.

لقد تم دعم جماعات مسلحة في جميع انحاء البلاد لمواجهة جماعة مسلحة في شمال البلاد “الحوثيين”،  وشنت حرب ضاربة منذ 3 سنوات لاستعادة دولة انقلب عليها الحوثيون، ادت الى تقسيم اليمن، ورسم الحدود بالدم بين الجماعات المسلحة المختلفة.

يتم الآن اقصاء بعض الجماعات لصالح اخرى، وتكوين جيوش جديدة، لكن لايوجد جيش يمني وطني واحد يمكن له حسم الامور، واصبح الجيش اليمني المشكل بعد عاصفة الحزم  يتعاون مع عدد من الجماعات المسلحة هنا وهناك.

فقد انقسم الجيش اليمني بداية في العام 2011 بفعل ثورة 11فبراير التابعة للإخوان والتي انقضت على حكم الرئيس صالح وعلى الجيش من خلال عملية هيكلته والتي ساهمت في بزوغ ثورة 21 سبتمبر التابعة للحوثي ومكنته من السيطرة على مناطق الشمال والحكم، فتوالت انقسامات الجيش، ليتشظى لمجموعات اصغر، مع الانشقاقات الكبرى، حيث كان الجيش في الشمال الموالي للرئيس علي عبد الله صالح يعمل لصالح الحوثيين، وحاليا يتم تجهيز جيش جديد لطارق صالح بعد قتل الحوثيين لعمه الرئيس السابق “صالح”

هذه الخارطة العسكرية المتشظية، لايمكنها اعادة الدولة “الموحدة” او الاتحادية، على المدى القريب، لانها تعمل على الارض بطريقة المليشيات، وتتحالف فيما بينها على هذا الاساس، فحاليا يتحالف جيش “طارق صالح” مع الحزام الامني الجنوبي ” جيش الجنوب” في عدن.

بينما تمسك بتعز جماعات مختلفة فيما بينهما بعضها اصولي متطرف،  كجماعات مسحلة سلفية ” جماعة ابو العباس″ واخرى تتبع الاخوان المسلمين وحزب الاصلاح.

الجيش اليمني يعمل تحت قيادة اللواء على محسن الاحمر نائب رئيس الجمهورية ، وقبل ايام اصدر الرئيس اليمني عبد ربه هادي قرارات عسكرية جديدة لتعين قادة جيش جدد من ضمنهم “هاشم الاحمر” وهو احد قيادات الاخوان والشقيق الاصغر للملياردير اليمني الشهير حميد الاحمر احد اهم قادة الاصلاح والاخوان في اليمن والمنطقة، المقيم حاليا في تركيا.

وتعين هاشم الاحمر هو الرد “الحكومي” على تكوين جيش “طارق صالح” الذي يأتي تشكيله خارج راية  الجيش اليمني، ومن المفترض ان يعمل جميعهم لمحاربة الحوثيين كما هو المعلن، لكن الخلاف الكبير بين عائلة صالح وعائلة  الاحمر والذي كان سبب الانشقاق في 2011 مع الاحتجاجات الشعبية، يمنع الطرفين من العمل سويا، وكل هذا يصب لصالح “قوة الحوثيين القتالية”

ان تشتت الاطراف والقوى العسكرية، يؤكد ما قاله  تقرير الخبراء الصادم بان اليمن كدولة واحدة “انتهى” او يكاد، والجميع يعمل وفق التقسيم الجديد لليمن، حيث يحاول كل طرف ابراز قوته، وخوض معركته المنفصله او الخاصة، حيث ان لكل فريق هدف خاص، وثأر خاص.

الفريق الجنوبي المسمى بالحزام الامني وهي قوة عسكرية جنوبية تعمل لاعلان دولة الجنوب من خلال المجلس الإنتقالي بدعم وتمويل من دولة الإمارات التي باتت تسيطر عسكريا على مناطق الشمال، بينما جيش طارق صالح ، سيعمل للثأر من مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين، وبنفس الوقت يثأر من الاخوان- حزب الاصلاح- لاطاحتهم بنظام صالح في 2011.

اما بقية الكيانات الاصغر تحاول اظهار قوتها، وخاصة في تعز ، حيث يتواجد السلفيون بشكل كبير في تعز  المطوقة من قبل الحوثيين الذين يسيطرون على مداخلها. وهو امر يحاول محافظ تعز الجديد تنظيمه، بايجاد قوة للجيش اليمني في داخل المدينة تعز تسلم لها جميع الوحدات والمرافق الحكومية والعسكرية، مهمة نتمنى نجاحها، لان عودة تعز الموحدة والقوية خارج سلطة الاحزاب الدينية والجماعات المتطرفة والاخوان امر بالغ الاهمية لمستقبل اليمن ليس سياسيا فقط بل حتى اجتماعيا وثقافيا. لما لتعز من اهمية ثقافيه عبر تاريخ اليمن المعاصر.

ولاتنسى حضرموت حيث تتواجد القاعدة، وحيث اعلن عن انشاء النخبة الحضرمية او جيش حضرموت الذي يخوض حربه المستقلة ضد القاعدة. وهو امر بالغ الاهمية ان تعلن معارك ضد القاعدة والجماعات المتطرفة في اليمن وليس فقط الحوثيين.

التشكيل السياسي
سياسيا يظهر الامر تابعا بالكامل للخريطة العسكرية، فهناك اكثر من كيان سياسي، وليس فقط الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، فهناك الان المجلس الانتقالي الجنوبي والذي يمثل الجنوب والتيارات الجنوبية التي تطالب بدولة الجنوب المستقلة.

وهناك حكومة الحوثيين في الشمال ، وهناك كيانات سياسية مستقلة في حضوموت واخرى في مارب، حيث تبدو مارب منفصلة بعض الشيء  عن الخارطة السياسية ويتحرك محافظ مارب “سلطان العرادة”  باستقلال تام عن قرارات حكومة هادي بقراته وسلطاته. برغم الاعتراف به كجزء من الشرعية وهو سياسي وعسكري مخضرم، استطاع فرض الامن في محافظة مارب. لدرجة يمكن فيها وصف مارب بدولة مستقلة، تبدو الاكثر استقرارا ونجاحا من اقرانها لحد الان، لكنها ليست مقر الحكومة اليمنية، التي تتواجد احيانا في العاصمة المؤقته “عدن” .

وتبعا لذلك هناك اكثر من صوت اعلامي ، وليس قناة اعلامية واحدة، لان هناك اكثر من رسالة اعلامية – سياسية ، وحروب اعلامية متعددة، مما يبقى توحيد المعركة امر بعيد المنال.

 الإخفاق الإقتصادي
ويعكس هذا الفشل في معاجلة الملف الاقتصادي ، امام كارثة انسانية هي الاسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية بحسب الامم المتحدة، وبذلك الانهيار في العملة المحلية ورواج السوق السوداء، وشحة المساعدات

 وهنا اعلنت السعودية عن الخطة الانسانية الشاملة للانقاذ في اليمن، وهي التي جاءت بتنسيق وضغوط بريطانية، بعد ان وجدت بريطانيا نفسها مدانة بدعم حرب كارثية في اليمن من خلال بيع الاسلحة للتحالف، مما دعى رئيسة الوزراء البريطانية ان تطلب من السعودية فتح جزئي للحصار على الموانئ، وتقديم الدعم، وهنا استجابت السعودية واعلنت خطة الانقاذ التي تقوم على فتح الموانئ للمساعدات وتقديم المساعدات، ودعمت البنك المركزي اليمني ب 2 مليار دولار كوديعة بعد انهيار العملة في اليمن.

غير ان سياسية المساعدات في ظل تفشي الحرب والاقتتال ورواج سوق الأسلحة، لايمكنها انقاذ الوضع السيء، الذي يحتاج الى وقف الاعمال القتالية اولا.

 ولعل هذه هي المهمة الجديدة للمبعوث الدولي الجديد “بريطاني الجنسية” حيث نتوقع فتح ملف المفاوضات السياسية قريبا، لاسيما ان وزير الخارجية البريطاني كان في زيارة الى مسقط قبل اسابيع وطلب من السلطان العماني مساعدة بريطانيا في تسوية القضية اليمنية التي اصبحت مصدر ضغط كبير على الحكومة البريطانية التي يبدو انها بحاجة لمساعدة جارة اليمن العمانية “المحايدة” ذات العلاقة الجيدة بجميع الاطراف لاسيما الحوثيين الذين يحصلون على دعم متنمامي من ايران.

دعم عسكري لا إنساني
 دعم ايراني  اعلامي – مالي – ولوجستي، حيث تتبى ايران ملف او قضية الحوثيين باعتبارها احدى قضاياها في المنطقة، وتسعى لوصولهم للحكم في اليمن او على الاقل في شمال اليمن، ليعملوا كقوة محلية موالية لها  تساعدها على استفزاز وتهديد الجارة السعودية “واحدة من اهداف ايران هي تهديد نظام الحكم الملكي في السعودية” باستخدام اذرعها في المنطقة ومن ضمنها “الحوثيين”

إيران والسعودية
لهذا شن الحوثيون حربهم داخل وخارج اليمن، ولأول مرة في تاريخ العلاقة بين اليمن والسعودية برغم كل التوتر بين البلدين يصل هذا التهديد لهذا الحد على يد الحوثيين باطلاق الصورايخ الى المدن وخاصة الرياض. هنا حققت ايران واحدة من اهدافها في اليمن، فهي لا تهتم الا لتقوية جماعتها في اليمن، وليس تقوية اليمن، فايران تستخدم الملف الانساني في اليمن للضغط لتخفيف الحصار على الحوثيين, وللقبول بهم كشريك في التسوية السياسية وكشريك قوي.

وخلال 3 سنوات من المعاناة والوجع  الانساني في اليمن لم نسمع  على الاطلاق عن مساعدات ايرانية او دعم انساني او تحرك سياسي لدعم معاناة اليمنيين من قبل ايران، وكانت التقارير تقول فقط  بوصول الاسلحة والدعم الخاص للحوثيين.

موت المعاناة
هذه هي اليمن التي يموت فيها طفل كل 10 دقائق، من اسباب يمكن تلافيها، اليمن لاتصلها الا مساعدات شحيحة من الامم المتحدة ومركز سلمان للاغاثة وبقية دول الجوار “الخليجي” خاصة السعودية والامارات وان كانت بضغط دولي الا انها مهمة وحيوية، غير انها لا تعمل على المدى الطويل لاصلاح الاقتصاد الذي يقوم على المساعدات ويحول الملايين الى مستولين ينرون المساعدات دون معالجات حقيقية، ففي ملف الاصلاح الاقتصادي فشلت حكومة هادي في عدن،  وحكومة الحوثيين في صنعاء ، فحتى حكومة “الانقلابيين” الحوثيين لم تجد دعما ايرانيا لها لتصبح نموذج حكومة ناجحة تتفوق فيه على حكومة  هادي، وتحولت الى عصابة فساد ومحسوبية ولصوصية كبيرة تسرق من موارد الدولة ومن التجار ومن المواطنيين. وقبل عامين اعترف المتحدث باسم الحوثيين ان ايران رفضت دعم البنك المركزي في صنعاء بوضع وديعة، او بتقديم مساعدات في مجال النفط.

فساد الحكومتان
ان الفساد يلف كلا الحكومتين، هذه حقيقة اوردها تقرير الخبراء، وكان فساد حكومة هادي في عدن سببا لتحرك الشارع العدني ضد هذه الحكومة  التي يجري الحديث عن تغيرها، غير ان التغيير ليس عليه ان يكون في الاشخاص بقدر ما يجب ان يكون في السياسيات.

واليمن الممزق والفقير سيكون حملا ثقيلا على دول الجوار وخاصة السعودية وسيعمل على افشال خططها الاقتصادية في اليمن، بالطبع لن يؤثر فشل اليمن كدولة على ايران لان هذا ما تنشده، لكنه سيكون حملا عربيا ثقيلا ففشله يهدد الامن القومي العربي والاقتصاد العربي بشكل عام، لذا فان انقاذ اليمن ووضع حد لمعاناته امر عليه ان يكون ذو اولوية عربية- خليجية على وجه الخصوص.
 
Top