0

 

كيف عادت طالبان لتتسلم قصر الرئاسة دون مقاومة، وتطمئن الحكام، في حين أخذ الناس يزيلون ألواح الدعاية التجارية من واجهة محلاتهم التجارية خوفاً وجزعاً، وأخذت النساء يفتشن عن عباءاتهن القديمة، وراحت المدارس تمزق كتب العلوم الاجتماعية والتاريخ وغيرها، وأخذ المجتمع كله يتهيأ للتالي ... كما في نص المقال كاملاً للكاتب …….

شبكة المدى/ كتابات/ بقلم: د. ياسين سعيد نعمان: 

كانت أفغانستان الحلقة الأضعف بين دول المنطقة ليتم اختيارها في نهاية السبعينات من القرن الماضي لتكون محطة متقدمة لإدارة الصراع مع الاتحاد السوفييتي تحت مظلة محاربة الشيوعية.

أطيح بالاتحاد السوفييتي، لكن الشيوعية ظلت نظاماً اجتماعياً لدولة عظمى أخرى بثوب مختلف هي الصين، وهي التي بنجاحها أخذت تطرح أكثر من سؤال حول ما اعتبره فوكو ياما "نهاية التاريخ". وبقيت روسيا كقوة عجز الغرب عن هضمها، رافق ذلك إسقاط جدار برلين كشاهد على ما اعتبره العالم تحولاً جذرياً في معادلات القوة، غير أن فكرة الجدار أخذت تلهم الكثيرين بفكرة التحصين الذاتي، فطبقتها أمريكا ترمب مع المكسيك، وأخذت بها إسرائيل في مواصلة قمع الفلسطينيين. وبدا أن التاريخ لا يتوقف بإشارة من أحد عند محطة بعينها.

كان توظيف الدين في معركة كسر العظم مع الاتحاد السوفييتي قد شكل غطاءً لتحويل افغانستان إلى تلك المحطة المتقدمة. وكان الخطأ القاتل الذي ارتكبته القيادة السوفيتية يومذاك هو القيام بإرسال قوات عسكرية ضخمة لمناصرة القيادة السياسية الموالية لها في "كابول". وقدمت بذلك المبرر الكافي لأمريكا وحلفائها بأن تنقل المعركة إلى الحدود الجنوبية للاتحاد السوفييتي. لكن الخطأ القاتل الذي ارتكبه ذلك التحالف هو الآخر، والذي شكل علامة فارقة بخلق ما عرف بالبؤرة التي تشكل فيها الارهاب هو استخدام الدين في معركة دولية. شكل التوظيف السياسي للخطاب الديني الجهادي انبعاثاً لحراك سياسي واجتماعي وأيديولوجي مكتوم داخل كثير من البلدان، واحتشد منها الآلاف إلى أفغانستان تحت غطاء الدفاع عن الدين ومواجهة الشيوعية. كانت جميعها مثقلة بمشاريع جهادية في بلدانها، ووفرت لها هذه الحرب شروطاً ومشروعية لم تكن تحلم بها.. وفي أفغانستان تلاقحت الأفكار الجهادية، اتفقت واختصمت، وفي ذات الوقت الذي كانت تعمل فيه طلائع هذه الحشود على تنقيح الفكر الجهادي واكسابه طابعاً أممياً من الزاوية التي تجعل الجهاد فرض عين في أي بقعة من العالم، فقد أخذ هذا الفكر يتجه بدفته نحو خلق التحدي النقيض في صورته التي كان يرى في أمريكا وحلفائها وانظمة بلدانها العدو رقم واحد.. ومن رحم مقاومة الشيوعية ولد هذا النقيض الذي توزع على العالم حاملاً الحزام الناسف، ووعداً باللقاء مع الحور العين فور "استشهاد" المجاهد.

فرخت محطة "أفغانستان" هذا الفكر تحت رعاية دولية وضمن توظيف، كان يعتقد أنه سيكون مؤقتاً وبأيدي السياسيين الحلفاء وحساباتهم، لم يؤخذ بعين الاعتبار أن زمامه لن يكون سوى بأيدي الدعاة ممن شحذوا سيوفهم لجهاد المجتمعات قبل الحكام، جهاد اختلف دعاته حول مسألة الخروج عن الحاكم واتفقوا على قهر المجتمع.

رأينا كيف عادت طالبان لتتسلم قصر الرئاسة دون مقاومة، وتطمئن الحكام، في حين أخذ الناس يزيلون ألواح الدعاية التجارية من واجهة محلاتهم التجارية خوفاً وجزعاً، وأخذت النساء يفتشن عن عباءاتهن القديمة، وراحت المدارس تمزق كتب العلوم الاجتماعية والتاريخ وغيرها، وأخذ المجتمع كله يتهيأ لعهد جديد عرف قديماً ومنذ عشرين سنة الشيء الكثير منه ويترقب المزيد.. جيلا جديداً عاش في كنف الحماية الأمريكية وحكومات متعاقبة فشلت في أن تخلص افغانستان من وضعها كرهينة بانتظار تقرير مصيرها من قبل نفس القوى الدولية التي حولتها محطة لتصفية حساباتها.

لم يتغير شيء في موازين القوى الدولية، كل ما في الأمر أن افغانستان صارت بؤرة بارود لا أحد يدري اين ستنفجر بعد أن تعيد اخماد مجتمعها.

إرسال تعليق

 
Top