0

لماذا سارع الحكام العرب بالتطبيع الصهيوني مع إسرائيل في حين لم يقم الغرب بالمثل معها?

لماذا العرب فقط من دون الغرب? هل لأنهم أشد كفراً ونفاقاً?
ماهي الصهيونية.. ولماذا التطبيع بها?
إن لم تكن أهداف التطبيع طمس الهوية العربية وتأييد مسبق لجرائم ومجازر وحشية سترتكب أكبر من السابق في حق الشعب الفلسطيني وشعوب المتطبعين، فما هي أهداف التطبيع?!! ………… 

شبكة المدى/ الصهيونية والتطبيع:
بعض التيارات السياسية تؤكد أن الصراع بين الفلسطينيين (والعرب عمومًا) وبين إسرائيل هو في جوهره صراع تاريخي / ديني أزلي بين المسلمين واليهود. هذا التصور خاطئ تمامًا، بل ويتسم بالرجعية. فحتى حوالي سبعين سنة مضت كانت نسبة ضئيلة فقط من اليهود الموزعين بين دول العالم المختلفة – هم بالتحديد أنصار الحركة الصهيونية – هي التي تؤيد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وهي التي تهاجر طواعية إلى هذه الأرض للاستقرار بها. أما الأغلبية.
الغالبة من يهود أوروبا، الذين حولهم التوسع الرأسمالية إلى عمال، فقد كانت ترى خلاصها من الاضطهاد والظلم الواقع عليها في انتصار الثورة الاشتراكية العالمية.
الصهيونية لم تكن فكرة دينية أبدًا. فمؤسسوها – وعلى رأسهم تيودور هرتزل – لم يكونوا رجال دين وإنما كانوا علمانيين ورجال سياسة. وقد نشأت الصهيونية كتيار سياسي رجعي في أواخر القرن التاسع عشر في أوساط البرجوازية الصغيرة اليهودية في وسط أوربا. وبين يهود أوروبا، الذين أصبحت غالبيتهم في ذلك الوقت عمال وفقراء، كانت الصهيونية حركة أقلية – بالتحديد تلك الأقلية من متوسطي الحال من اليهود الذين كانوا يخشون – بسبب مصالحهم الطبقية – الاشتراكية وثورة العمال.
ولكن الصهيونية استطاعت فيما بعد أن تجتذب لصفوفها أنصارًا أكثر، واستطاعت للأسف أن تتحول على حركة ذات نفوذ في مرحلة صعود النازية والفاشية قبيل الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). فمع الهزائم المتتالية التي منيت بها الثورات والانتفاضات العمالية في الدولة الرأسمالية المتقدمة، ومع تزايد التهديد النازي العنصري لليهود، بدأت أعداد متزايدة منهم تتعاطف مع الصهيونية. وبالرغم من أن معظم هؤلاء لم يتحولوا على كوادر في الحركة الصهيونية، إلا أن غرف الغاز والمحارق الجماعية أثارت رعبهم وأطلقت رجعيتهم إلى الحد الذي جعلهم يميلون إلى اعتبار دولة إسرائيل بديلا “عمليًا” عن هتلر والفاشية.

وماذا عن دولة إسرائيل؟
دولة إسرائيل هي التجسيد المادي على أرض الواقع للصهيونية بكل قبحها وتوحشها. في الخامس عشر من مايو عام 1948 أعلنت دولة إسرائيل. وكان إعلانها بمثابة تتويج لنصف قرن من المناورات والمؤتمرات من جانب القادة الصهاينة وحلفائهم من الدول الاستعمارية الكبرى. الحلف بين الحركة الصهيونية وبين الإمبريالية كان يعكس لقاء المصالح الإستراتيجية بين دول كبرى تبحث عن كلب يحرس مصالحها المتزايدة في الشرق الأوسط بعد اكتشاف النفط واعتماده كمصدر للطاقة، وبين حركة سياسية رجعية تبحث عن حليف قوى لتحقيق مصالحها.
وباعتبار الصهيونية حركة استعمار استيطاني عنصرية، فإن تأسيسها صاحبه تطهير عرقي على نطاق واسع للشعب الفلسطيني المحتل. في عام نشوء الدولة الجديدة – 1948 – نفذت عصابات الصهيونية مذابح وحشية ضد الشعب الفلسطيني لبث الرعب في أوساطه، وإجباره على الرحيل خارج أرضه التي عاش فيها وزرعها وأكل من خيرها على مدى قرون طويلة: أشهر هذه المذابح وأكثرها وحشية مذبحة دير ياسين التي راح ضحيتها 300 فلسطيني أعزل على يد العصابات المسلحة.
ومنذ نشوء دولة إسرائيل وحتى يومنا هذا لعبت دور قلعة الرجعية والثورة المضادة في المنطقة العربية. وقد دعمتها الولايات المتحدة بلا أي تحفظ كما لم تدعم أي نظام رجعي موال لمصالحها أبدًا. فإسرائيل تحصل من الولايات المتحدة على أكبر دعم اقتصادي وعسكري؛ وإسرائيل تحظى بمساندة سياسية وإعلامية فلما حظي بها نظام استعماري في التاريخ. يكفي أن نذكر أن الدولة التي تقطع أطراف الفلسطينيين، والتي تجوعهم وتحاصرهم، والتي قصفت أو غزت أو احتلت كل الدول المجاورة لها وبعض الدول الأخرى (كالعراق وتونس)؛ هذه الدولة تصور في وسائل الإعلام العالمية كواحة للديمقراطية في بحر من العنف المعادي الذي لا يجد مبررًا عدا “الهمجية العربية المتأصلة”!!

كيف نشأت وتطورت المقاومة الفلسطينية؟
كما أن الرأسمالية تخلق حفاري قبورها من العمال؛ فإن الاستعمار يخلق حفاري قبوره من الأجيال المتتالية من حركات المقاومة . ولدت حركة المقاومة الفلسطينية قبل انتصار وقبل تأسيس دولة إسرائيل. ففي العشرينات من القرن العشرين كانت فلسطين قد وقعت فريسة للانتداب البريطاني. وتحت الانتداب، ولمقاومته، نشأت حركة جماهيرية متصاعدة كانت ذروتها هي ثورة 1936 التي امتزج فيها الإضراب العام، بحركة المقاطعة، بمصادمات الشوارع. ولم يهزم ثورة 1936 إلا تحالف الرجعية الفلسطينية ممثلة في القوى السياسية المعبرة عن كبار الملاك، مع الاستعمار البريطاني، مع الأفواج الأولى من العصابات الصهيونية.
منذ ذلك التاريخ كان على حركة المقاومة الفلسطينية أن تعكس التناقضات الطبقية في داخل العسكر الفلسطيني ذاته. كل طبقة من الفلسطينيين كانت تفهم المقاومة وتراها بشكل مختلف عن باقي الطبقات.
هذه الخلافات تعمقت مع تأسيس دولة إسرائيل، ومع طرد معظم الشعب الفلسطيني خارج أرضه. فإذا كانت الصهيونية لم تفرق بين الفلسطيني الثري المالك وبين الفلسطيني الفقير المعدم عندما طردت الجميع بكل الوحشية، فإن اختلاف الطبقات بين الفلسطينيين حدد مصير كل طبقة بعد الطرد. كان للمالكين – الذين نجحوا في استباق الأحداث وفي تهريب ثرواتهم القابلة للتسييل والنقل إلى الدول العربية المجاورة – الحظ في التحول إلى رأسماليين كبار في الدول العربية التي هاجروا إليها. أما فقراء الفلسطينيين، فلم تكن لديهم ثروة ليسيلوها وينقلوها؛ كانت لديهم فقط أجسادهم الحية وقوة عملهم. عاش هؤلاء في المخيمات في الأردن ولبنان وسوريا حياة كادحين فاقدين لأوطانهم يعاملون كبشر من الدرجة الثانية (لا حقوق مواطنة، رقابة لصيقة، أجور متدنية، إهانات متكررة).
هذا الاختلاف الطبقي هو أصل الاختلاف بين التيار المهادن والتيار المتشدد في أوساط الحركة الوطنية الفلسطينية. المهادنون يسعون للدولة المستقلة ولكن بدون ثورة، بدون تصادم مع الأنظمة العربية، بدون صدام مع الإمبريالية، بل بالعكس بالتحالف معهما. أما الثوريون الراديكاليون فيرون أن الثورة هي المخرج. وفي عقد الستينات من القرن العشرين تبلور هذا التناقض بين “الحمائم” و”الصقور” في بروز عدد من المنظمات السياسية للمقاومة: حركة فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وغيرهم. كانت فتح هي المنظمة الأكبر والأكثر تأثيرًا. وقد لعبت دور الحمائم، ولذلك أيدتها الأنظمة العربية وساندت خطها السياسي الذي قام من ضمن ما قام على مبدأ “عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية”. أما الجبهتان الشعبية والديمقراطية فقد مثلاً سويًا تيارًا وطنيًا راديكاليا متأثرًا بأفكار الستالينية وخطها السياسي.
وعلى أي حال فقد نجحت الأنظمة العربية – التي شعرت بالخوف من تصاعد المقاومة ومن تأثير هذا على استقرارها السياسي – في احتواء المنظمات الفلسطينية وفي توحيدها تحت مظلة “منظمة التحرير الفلسطينية” التي أصبحت – من وجهة نظر الطبقات الحاكمة – “المتحدث الشرعي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني”! وبالرغم من الصدامات المتكررة بين منظمة التحرير وبين عدد من الأنظمة العربية التي أحست بتهديد المقاومة الفلسطينية لها في بعض المراحل، إلا أن المنظمة حافظت بشكل عام على خط مهادن جوهره هو الوقف ضد أي تصاعد ثوري واسع النطاق في حركة نضال الشعب الفلسطيني.
وفي أواخر الثمانينات – بالتحديد في عام 1987 – انتقلت حركة المقاومة الفلسطينية خطوة نوعية إلى الأمام. في ديسمبر من هذا العام انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وبانطلاقها دخلت الجماهير الفلسطينية إلى مسرح التاريخ مجددًا، وبدأت الثورة من أسفل تلعب دورًا حاسمًا في إعادة رسم خريطة التوازنات، سواء في الداخل الفلسطيني أو على المستويين الإقليمي والدولي.

كيف بدأت عملية السلام؟ وما هو مضمونها الحقيقي؟
لم تبدأ عملية السلام في عام 1991 (عام مؤتمر مدريد)، ولكنها بدأت فور انتهاء حرب 1973، وربما قبل ذلك. لم تدخل النظم العربية، وعلى رأسها مصر، الحرب من أجل تدمير دولة إسرائيل أو من أجل التحرير الشامل للأراضي المحتلة وفي القلب منها فلسطين، ولكنها دخلتها من أجل “تحريك القضية” بحسب تعبير أنور السادات. وتحريك القضية معناه توجيه رسالة قوية للولايات المتحدة – الحليف المأمول “الذي يمتلك 99% من أوراق اللعبة”!! – بأن لا تتجاهل مصالح البرجوازيات والنظم العربية وبأن تضعها في حسبانها جنبًا إلى جنب مع مصالح إسرائيل.
وقد نجحت النظم العربية المعتدلة – إلى حد كبير – فيما سعت إليه. فمنذ ذلك الحين والولايات المتحدة تضع مصر والسعودية في اعتباراتها الإستراتيجية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط كحليفين هامين لابد من الحفاظ على استقرارها.
بعد حرب أكتوبر دخلت مصر في مفاوضات سلام مع إسرائيل، واستطاعت – من خلال تحالفها مع الإمبريالية، والخدمات التي قدمتها لها – أن توقع معاهدة سلام مع الدولة الصهيونية. وكان على الولايات المتحدة أن تنتظر ربع قرن بعد 1977 (عام زيارة القدس الشهيرة) حتى تتهيأ الظروف وتستطيع أن تقنع (أو تجبر) نظمًا محورية أخرى في المنطقة بدخول عملية سلام مع إسرائيل. وقد أتت اللحظة المناسبة مع مطلع التسعينات، بعدما سقط الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الساحة الدولية ممهدة أمام “القوة العظمى الوحيدة” للسيطرة بشكل كامل على مقدرات الوضع في الشرق الأوسط. ومن هنا بدأت عملية مدريد التي شاركت فيها منظمة التحرير الفلسطينية، والتي أفرزت اتفاقيات أوسلو الشهيرة.
لم يأت سلام أوسلو للشعب الفلسطيني – للفقراء الفلسطينيين في المخيمات – بأي شيء. زاد قهر جيش الاحتلال؛ تصاعدت البطالة؛ ظل الفقر على حالة؛ توسعت المستوطنات؛ ولم يعد اللاجئون على أراضيهم ولا حتى حصلوا على تعويضات. وأضيفت إلى الصورة سلطة عرفات بقمعها وفسادها وخدماتها الباهرة للاحتلال الصهيوني. ولذلك فقد كانت أسلو بالنسبة لجماهير فلسطين سرابًا ونقمة. وقد تجرعتها الجماهير على مدى سبع سنوات على الأقل – اتفاق وراء اتفاق، وحكومة إسرائيلية وراء حكومة، ومؤتمر قمة وراء مؤتمر قمة.
لماذا كان السلام على هذه المشكلة؟ لماذا كانت أوسلو في تجربة الجماهير أكثر مرارة من الحرب؟ لماذا استطاعت الولايات المتحدة، وتحالف الإمبريالية العالمية، أن يسويا الأمور في العديد من المناطق بينما ساء الوضع في الشرق الأوسط. جنبًا إلى جنب مع الخط المهادن والمتواطئ الذي سارت عليه المنظمة التحرير والبرجوازيات العربية، يمكننا أن نفسر هذا بترتيب المصالح الأمريكية في المنطقة. فالولايات المتحدة ترى أن إسرائيل وتفوقها وأمنها وسلامتها يمثلون الضامن الأساسي لمصالحها في المنطقة. ولذلك فهي لا تقبل بتسوية سياسية تهدد – بأي مقدار – الهيمنة الاستعمارية الإقليمية للدولة الصهيونية. ويترتب على ذلك أنها ترفض تمامًا أي صيغة “للسلام” تخلق دولة فلسطينية تتمتع بقدر من الاستقلال والقوة يسمحان لها – في ظروف غير متوقعة – بتهديد دولة إسرائيل.

إرسال تعليق

 
Top